العودة

تمكين المدن العربيّة من خلال التعلم مدى الحياة: رؤى خبيرة اليونسكو "سماح شلبي"

اليونسكو
2023 - 07 - 28
انضمّت إلينا في هذه المقابلة السيدة سماح شلبي، أخصائيّة البرامج المساعدة في معهد اليونسكو للتعلّم مدى الحياة بهدف استكشاف عالم مدن التعلّم التابعة لليونسكو وتبيان تأثيرها على العالم العربي. كشفت السيّدة شلبي عن الإمكانات التحويليّة للتعليم، والدور المحوريّ للتكنولوجيا، والعناصر الأساسيّة اللّازمة للمدن التي تطمح أن تصبح جزءًا من الشبكة العالميّة.
انضمّت إلينا في هذه المقابلة السيدة سماح شلبي، أخصائيّة البرامج المساعدة في معهد اليونسكو للتعلّم مدى الحياة بهدف استكشاف عالم مدن التعلّم التابعة لليونسكو وتبيان تأثيرها على العالم العربي. كشفت السيّدة شلبي عن الإمكانات التحويليّة للتعليم، والدور المحوريّ للتكنولوجيا، والعناصر الأساسيّة اللّازمة للمدن التي تطمح أن تصبح جزءًا من الشبكة العالميّة.
1. ينتمي العديد من المدن في العالم العربيّ إلى شبكة اليونسكو العالميّة لمدن التعلّم. ما تعريفكم لمدينة التعلّم وبِمَ تتميّز؟
وفقًا لتعريف اليونسكو، إنّ المدينة التعليميّة هي مدينة أو شبكة تحشد موارد مختلفة بما في ذلك الدعم المالي لتعزيز التعلم مدى الحياة. تُبنى مدن التعلّم على عدّة ركائز أساسية: أوّلًا، تؤكّد هذه المدن أهميّة إحياء التعليم داخل الأسر والمجتمعات، وتوسيع عمليّة التعلم إلى ما بعد المدارس والتعليم الأساسي. يشمل هذا الأمر فرص التعلم الرسمية وغير الرسمية وغير النظاميّة. بالإضافة إلى ذلك، تسهّل مدن التعلم عمليّة التعلّم في بيئاتٍ متنوّعةٍ، مثل العائلات والمجتمعات وأماكن العمل. كما أنّها تسعى إلى احتضان التقدّم التكنولوجي لكي تصبح مدنًا ذكية، تستخدم التقنيّات المبتكرة لتعزيز خبرات التعلم.
تجدر الإشارة إلى أنّ الجانب الأكثر أهميّة في مدينة التعلم هو تنمية ثقافة التعلم مدى الحياة. تشكّل هذه الثقافة المحرّك الأساسيّ للتنمية الفرديّة والتمكين الاجتماعيّ والازدهار الاقتصاديّ والثقافيّ. من خلال تبنّي التعلّم مدى الحياة، تساهم مدن التعلّم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي أقرّتها الأمم المتّحدة.
إنّ الانضمام إلى شبكة اليونسكو العالميّة لمدن التعلّم يوفّر العديد من المزايا لأنّها ترتكز على مبدأ تبادل الأفكار والحلول بين المدن من أجل تحقيق هدفين: ضمان التعليم الجيّد بصفة عادلة ودون إقصاء من خلال توفير امكانيّات للتعلّم مدى الحياة للجميع، وجعل المدن مفتوحة للجميع، آمنة، ومرنة ومستدامة. إنّ تبادل أفضل الممارسات والدروس المستفادة يسهّل تطوير الحلول المبتكرة المصمّمة للسياق الفريد الخاصّ بكلّ مدينةٍ. بالإضافة إلى ذلك، تسمح العضويّة في الشبكة بالاستفادة من مبادرات بناء القدرات والفرص التعاونيّة لزيادة تعزيز النظم الإيكولوجية للتعلم. من خلال إنشاء مدن التعلم، يمكن للعالم العربيّ تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة من خلال وضع التعليم والتعلّم مدى الحياة في قلب مجتمعاتهم.
2. ما هو الدور الذي يمكن أن تؤديه اليونسكو في دعم تطوير مدن التعلم في العالم العربي؟
تؤدّي اليونسكو دورًا مهمًّا في دعم تطوير مدن التعلم في العالم العربيّ. منذ إنشاء شبكة اليونسكو العالميّة لمدن التعلم في عام 2016، كان هناك اهتمام متزايد وطلب من الدول العربيّة للانضمام إلى الشبكة، ويمكن أن يعود سبب هذا الإقبال إلى الكثافة السكانية في المناطق الحضريّة، وخاصّةً في العالم العربيّ، حيث اكتسبت التنمية المستدامة أهميّةً كبرى.
تنظّم اليونسكو حملات ترويجية وتشجّع البلدان على الانضمام إلى الشبكة من خلال إشراكها في تبادل الخبرات وأفضل الممارسات مع مدن التعلم في جميع أنحاء العالم ممّا يسمح لها باستكشاف حلول مختلفة ترتبط بالتحديّات الخاصّة بها. تتعاون اليونسكو مع مختلف الشركاء في المنطقة العربيّة على المستوى الإقليمي عند فتح دعوات للإنضمام وتوزيع المعلومات.
من الجدير ذكره أنّ بعض البلدان في المنطقة ليس لديها حتّى الآن استراتيجيّة وطنيّة لمدن التعلم لذا تؤكد اليونسكو ضرورة بذل الجهود الوطنيّة من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة. على سبيل المثال، في عام 2022، نظرًا لارتفاع الطلب على الانضمام إلى الشبكة، نظّمت اليونسكو ورش عمل مخصّصة لمساعدة المدن المهتمة في وضع الاستراتيجيّات وعمليات الرصد والتقييم، وضمان الوصول إلى التعليم خارج البيئات المدرسيّة التقليديّة. أجريت دوراتٌ تدريبيّةٌ مكثّفةٌ لمساعدة 17 مدينةً على تطوير استراتيجياتها الخاصّة. تشكّل مدينة الجبيل الصناعيّة في المملكة العربية السعودية إحدى قصص النجاح، حيث تعاونت اليونسكو مع مركز أبحاث الجودة في التعليم (RCQE) لوضع استراتيجيّة شاملة لمدّة أربع سنوات للتعلم مدى الحياة.
بالإضافة إلى ذلك، تولي اليونسكو أهميّةً كبيرةً للتنويع في المشاركة من خلال إشراك أصحاب المصلحة من مختلف القطاعات مثل صانعي السياسات واللجان البلدية والقطاع الخاص والأطراف الأخرى المعنيّة في مجال التعليم. تنصح اليونسكو البلدان بتشكيل لجان داخليّة مسؤولة عن تنفيذ هذه الاستراتيجيّات وعن ضمان استمرار بناء القدرات. تجري متابعة تجديد قدرات المدن في الشبكة بشكلٍ منتظمٍ والعمل على تقويتها. تلتزم اليونسكو بدعم تطوير مدن التعلّم في العالم العربيّ، وتعزيز التنمية المستدامة، وتأمين فرص التعلم مدى الحياة للجميع من خلال مبادراتها وشراكاتها.
3. ما هي التحديّات التي تواجه مدن التعلّم في العالم العربيّ؟ وما هي فرصها الرئيسة؟
يطرح مفهوم مدينة التعلّم والبيئة تحديّاتٍ مختلفةً في العالم العربيّ. تتمثّل إحدى التحديّات المهمّة في مسألة العمل المركزيّ، ممّا يشكّلُ صعوبةً في تطوير المبادرات على المستوى المحليّ. ينطوي التحدّي الآخر على مواءمة الاستراتيجيّات المحليّة مع الاستراتيجيّات الوطنيّة، والتأكّد من أنّ الأهداف مكمّلةٌ للأحداث الوطنيّة وليست فقط مرتبطةً بها. قد يواجه بعض المدن قيودًا على الموارد مّما يعيق قدرتها على تعزيز ثقافة التعلّم أو خلق بيئة تمكينيّة. ومع ذلك، وبالرغم من التحديّات الماليّة وغيرها، أظهر العديد من المدن دافعًا للتغلّب على فجوات الموارد من خلال البحث عن حلولٍ مبتكرةٍ، واعتماد مقاربات تكنولوجية متقدّمة.
على سبيل المثال، أبدى بعض الدول العربيّة، بما في ذلك مصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربيّة المتّحدة، وقطر، والمغرب تعاونًا ملحوظًا وإرادةً سياسيّةً في دعم مبادرات مدينة التعلم. تسلّط جهودهم الضوء على أهميّة المقاربة الجماعيّة والوطنيّة بدلًا من الرؤية الفرديّة.
4. كيف يمكن استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتعزيز التعلّم مدى الحياة في المدن؟
أوّلًا، تؤدّي التكنولوجيا دورًا فعّالًا في توفير فرص التعليم والتعلم. خلال أوقات الأزمات على وجه الخصوص، أثبتت التكنولوجيا أنّها مفيدةٌ في تقديم التعليم من خلال المنصّات عبر الإنترنت وقنوات التواصل الاجتماعي. تعد إمكانيّة الوصول والمرونة هذه من الأسباب المهمة لاستخدام التكنولوجيا واستثمارها في التعليم. علاوةً على ذلك، تساهم التكنولوجيا في خلق بيئة تعليميّة شاملة، ممّا يضمن إتاحة التعليم لجميع الأفراد دون استثناء. كما وتلعب التكنولوجيا دورًا مهمًا في تسهيل عمليات التعلم بحيث تتجاوز المفاهيم التقليدية للتعليم التي تتمحور فقط حول القراءة والكتابة. كما أنّ التلعيب في التعليم هو منحى تعليمي لتحفيز المتعلمين على التعلم باستخدام عناصر الألعاب في بيئات التعلم، بهدف تحقيق أقصى قدر من المتعة والمشاركة. ومن ناحية أخرى، من المهم الاعتراف بأن عملية دمج التكنولوجيا في التعليم تواجه أيضًا تحديات مثل توافر الوصول إلى الإنترنت، وكفاية البنية التحتية، والعوامل ذات الصلة التي يمكن أن تؤثر على التنفيذ الفعال لمبادرات التعلم القائمة على التكنولوجيا.
5. ما هي النصيحة التي تعطى للمدن الأخرى في العالم العربي المهتمّة بأن تصبح مدنًا تعليميّة في شبكة اليونسكو؟
أوّلًا، من المهمّ تطوير استراتيجيّة شاملة تعزّز ثقافة التعّلم مدى الحياة كما أوضحت أنّه يتطلّب إنشاء مثل هذه الثقافة التزامًا طويل الأمد ولا يمكن تحقيقه بشكلٍ سريعٍ. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتضمّن الإستراتيجيّة أهدافًا واضحةً وآلياتٍ للتقييم والمراقبة لقياس المشهد التعليمي في الدولة والتقدّم المحرز.
ثانيًا، يجب إعداد رؤية وطنيّة بدلًا من استخدام مقاربةٍ فرديّةٍ تعتمد على الجهد الجماعيّ ممّا يضمن اتّباع مقاربةٍ موحّدةٍ ومستدامةٍ للتعليم. كما أنّه من الضروريّ للمدن أن تعي أنّ الانضمام إلى شبكة اليونسكو العالميّة لمدن التعلّم ليس غايةً في حدّ ذاته لذا نجري تقييمات أداء لكلّ مدينةٍ كلّ عامين. إذا تمّ إحراز تقدّمٍ غير كافٍ خلال هذه الفترة، فقد يُطلب من المدينة ترك الشبكة. انطلاقًا ممّا سبق، يجب على المدن إعطاء الأولويّة للرؤية والاستراتيجيّة والسعي لتحقيق الاستدامة والاستمراريّة وتحقيق الهدف والرصد والتقييم بشكلٍ فعّالٍ.
أخيرًا، يجب أن تركّز المدن التي تطمح إلى أن تصبح مدنًا تعليميّةً تابعةً لليونسكو على تطوير استراتيجية قوية وتعزيز الرؤية الوطنية وإعطاء الأولوية للتقدم والتقييم المستمرّ. من خلال تبنّي هذه العوامل الرئيسة، يمكن للمدن في العالم العربي المساهمة بنشاطٍ في تقدّم التعلم مدى الحياة وإنشاء مجتمعات شاملة ومزدهرة.
الخاتمة:
تحتلّ مدن التعلّم التابعة لليونسكو في العالم العربي موقع الصدارة في إنشاء مجتمعات ديناميكية وشاملة ومزدهرة. تعمل شبكة اليونسكو العالمية لمدن التعلم كمنصّةٍ لتبادل المعرفة وتمكين المدن من التعلم من بعضها البعض، وتنفيذ حلول مبتكرة مصمّمة لسياقاتها الفريدة. من خلال تعزيز التعلم مدى الحياة، والاستثمار في التكنولوجيا واحتضان شبكة اليونسكو العالميّة، تمهّد هذه المدن الطريق لمستقبل أكثر إشراقًا. من خلال التعاون والتفاني والسعي وراء المعرفة، يستعدّ العالم العربي لإطلاق إمكاناته الكاملة وإنشاء مجتمع لا يعرف فيه التعليم حدودًا.

أحدث المنشورات

القائمة الكاملة
اليونسكو

لمحة حول الندوة الإلكترونية رقم 4 الخاصّة بمرجع ممارسات التعليم والتعلّم الواعدة -تربية 21

نظم مكتب اليونسكو الإقليمي متعدّد القطاعات في بيروت سلسلة من الندوات عبر الإنترنت، كجزء من مشروع تربية 21 الخاصّ بمرجع ممارسات التعليم والتعلم الواعدة ، الذي يهدف إلى تحسين جودة التعليم في جميع أنحاء العالم العربي. غطت السلسلة، التي استمرت من أيلول/سبتمبر إلى كانون الأول/ديسمبر 2023، مجموعة من المواضيع المهمة، بما في ذلك جودة التعليم والتعلم (6 أيلول/سبتمبر)، وتعزيز معرفة اللغة العربية (7 أيلول/سبتمبر)، والتحول الرقمي للتعليم (24 تشرين الأول/أكتوبر)، والتعليم من أجل التنمية المستدامة/ تخضير التعليم (28 تشرين الثاني/نوفمبر) والتطوير المهني للمعلمين (12 كانون الأول/ديسمبر).
اليونسكو

Insights from Tarbiyah21 Repository webinar series

The UNESCO Multisectoral Regional Office in Beirut recently hosted a series of webinars, as part of the Tarbiyah21 Repository of Teaching and Learning Practices’ project, aimed at improving education quality across the Arab world. The series, which ran from September to December 2023, covered a range of critical topics, including Quality Teaching and Learning (6 September), Promoting Arabic Literacy (7 September), Digital Transformation of Education (24 October), Education for Sustainable Development/Greening Education (28 November) and Teacher Professional Development (12 December).
اليونسكو

Global report on teachers: addressing teacher shortages; highlights

UNESCO and the Teacher Task Force presented the highlights of the first global report on teachers on 8 November 2023 during UNESCO’s General Conference.
اليونسكو

UNESCO- Iraq's Ministry of Education transforming vocational education

UNESCO's Technical and Vocational Education and Training (TVET) programme, in collaboration with Iraq's Ministry of Education and supported generously by the EU, has played a pivotal role in enhancing vocational education and employability in the country. Focusing on five “Pilot” schools in Erbil, Mosul, Baghdad, Karbala, and Basra, the initiative aims to transform these institutions into Centers of Vocational Excellence.