العودة

كشف الستار عن خفايا تقييم التعلّم مع د. كرمة الحسن

المعلّمون والمعلمات
2023 - 04 - 11
تقييم التعلّم هو أداةٌ حاسمةٌ يستخدمها المعلّمون والمؤسّسات التعليميّة لقياس تقدّم المتعلّمين، ومن شأنها أن تساعد في تحديد مكامن القوّة والضعف لدى المتعلمين، وتتبّع أدائهم مع مرور الوقت، والتأكّد من أنّهم يحقّقون الأهداف التعليميّة المنشودة. في هذا المقال، تقدّم الدكتورة كرمة الحسن، مديرة مكتب البحوث المؤسّسية والتقييم في الجامعة الأمريكيّة في بيروت (AUB)، نظرةً عامّةً على مكوّنات تقييم التعلم وكيفية استخدامها من أجل قياس ورصد وتعزيز التقدّم نحو الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة وتحسين نتائج التعلم. وتناقش الدكتورة أيضًا الأنواع المختلفة لتقييم التعلّم وفوائدها وتحديّاتها.

1. ما هو تقييم التعلّم؟ كيف يساهم في تحسين نتائج التعلّم وتعزيز الشمول؟

إنّ تقييم التعلّم عمليّةٌ مستمرّةٌ لجمع البيانات بشأن المعارف والمهارات والكفاءات التي يكتسبها المتعلمون وتوثيقها والتفكير فيها وقياسها لأغراض معيّنة. وتُستَخدَم عمليات تقييم التعلم لقياس مدى إتقان المتعلمين لموضوعٍ معيّن أو مادة معيّنة وقياس تقدّمهم، وتحديد مكامن القوّة أو الضعف لديهم وتحديد الطرق الفضلى لتحسين أدائهم. ويمكن أيضًا استخدام عمليات تقييم التعلّم لمساعدة المعلمين وواضعي السياسات في اتّخاذ قرارات مستنيرة قائمة على الأدلة بشأن التحصيل العلمي للمتعلمين وغيره من العناصر المرتبطة بنتائج التعلم المرتقبة منهم. ويساهم تقييم التعلّم في تحسين نتائج التعلم من خلال مساعدة المعلّمين في التعرف إلى الحواجز غير المرئية ومجالات القوّة ومكامن الضعف التي تؤثر على عمليّة التعلّم، وتزويد المتعلمين بملاحظات وتعليقات بنّاءة لمساعدتهم على التحسّن. ويسهم تقييم التعلم كذلك في تحديد ما تعلّمه واكتسبه المتعلّمون من مهارات ومعارف وكفاءات، وفي قياس مدى إتقانهم لما تعلّموه، وفي الكشف عن الصعوبات التعليمية التي تواجههم. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ التعليقات والملاحظات والآراء التي يقدّمها المتعلمون للمعلمين تساعد المعلمين في إعادة النظر في استراتيجيات التعليم بغية تحسينها وتكييفها مع احتياجات متعلميهم. وبالتالي، إنّ تقييم التعلم عمليّة شاملة ومستمرّة ومتكاملة تمتدّ على مدى رحلة التعلّم والتعليم وتنطوي على استخدام أنواع مختلفة من الأدوات لجمع معلومات موثوقة وقياس التقدّم الذي يحرزه المتعلّمون وإنجازاتهم وتجاربهم وخبراتهم وتحديّاتهم ودوافعهم.

تحفّز أنظمة التعلّم والتقييم المتعلّمين على التعلّم، وتساعدهم من خلال تعريفهم إلى الأهداف الّتي ينبغي أن يحققوها، وإلى معايير الأداء الجيّد والنموذجيّ، ومن خلال الحرص على تعاون الجهات المعنية لتحقيق الأهداف التعليمية.
ويكمن الغرض من عمليات تقييم التعلّم في تعزيز الشمول من خلال تزويد المعلّمين بالبيانات اللازمة التي تساعدهم على تحديد أيّ فجوة قد تنجم في عمليّة التعلّم بسبب خلفيّة المتعلّم أو كفاءته اللّغوية أو أسلوب التعلّم المعتمد. ويمكن بعد ذلك، استخدام هذه المعلومات لتوفير الدعم الهادف والموارد اللازمة لمعالجة هذه الفجوات وتعزيز نتائج التعلم بإنصاف.

2. كيف يتمّ تقييم التعلم؟ وما هي طرق وأدوات التقييم الحديثة لقياس مستوى إتقان المتعلمين للمعارف و/أو المهارات والكفاءات؟

في العادة، يتمّ تقييم التعلّم على مستويات مختلفة، منها مستوى الصف الدراسيّ، ومستوى المدرسة، ومستوى المقاطعات/المحافظات، ومستوى البلد، من خلال الاختبارات والمسابقات والواجبات والامتحانات الوطنية وغيرها من الأنشطة التي تقيس معرفة المتعلّم بناءً على فهمه لموضوعٍ معيّنٍ أو مادة معيّنة وقدرته على استخدام المعارف المكتسبة وتطبيقها في مختلف السيناريوهات.

وفيما يتعلق بالتقييم على مستوى الصف الدراسي، من الضروري أن تكون الأهداف التعليمية واضحة للمعلّم والمتعلّم. وينبغي للمعلّم أن يشارك المعايير التي يستخدمها لتقييم الأداء مع المتعلّمين وأن يشجع المتعلّم على إدارة تعلُّمه بنفسه، من خلال حثّه على استخدام هذه المعايير والاستفادة من النماذج التي يزوّده بها. ويمكن للمعلم أـن يطلب من المتعلمين أن يقيّموا زملاءهم قبل أن يعرضوا واجبهم في الصف. وبهذه الطريقة، سيكتسب المتعلمون القدرة على التقييم الذاتيّ وعلى تقييم النظراء، وسيتمكنون من تنظيم تعلّمهم وضبطه بنفسهم. وهذا ما يدعو إليه مفهومَيّ التعلّم والتقييم الحديثَين.
في الواقع، لعمليات التقييم أنواع وأغراض عديدة، منها التقييم التكويني، والتقييم النهائي والتقييم التشخيصي، ويختلف استخدامها في مراحل عمليّة التعلّم. ومن بعض أساليب التقييم الشائعة الامتحانات الخطية والشفهية والمشاريع والعروض التقديميّة والمحاكاة ونماذج التقييم والمحافظ التعليمية؛ فضلا عن التقييمات التي القائمة على التكنولوجيا مثل الاختبارات عبر الإنترنت والتقييمات الذاتيّة لقياس مدى إتقان المتعلّمين للمعارف والمهارات.

3. لماذا تُعتبر بيانات تقييم التعلّم مهمّةً؟ وهل يمكن معرفة ما إذا كانت البلدان تسير على الدرب الصحيح لتحقيق أهداف التعلّم على النحو المحدّد في الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة؟

تعتبر بيانات تقييم التعلّم مهمّةً عمومًا لأنّها تساعدنا في التوصل إلى فهم أفضل لأداء نظام التعليم. وتساعدنا أيضًا في قياس ما يتعلّمه المتعلّمون، وفي تحديد مكامن القوّة ونقاط الضعف في أنظمة التعليم ومقارنة أدائها ببعضها بعضًا.
نعم، من الممكن معرفة ما إذا كانت البلدان تسير على الطريق الصحيح لتحقيق أهداف التعلّم على النحو المحدّد في الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، وذلك من خلال تقييم التعلّم ومن خلال استخدام البيانات المستقاة من هذا التقييم لرصد التقدّم نحو الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة. ويمكن استخدام تقييم التعلّم لقياس تقدّم البلدان وأنظمتها التعليميّة نحو تحقيق أهداف التعلّم المنصوص عليها في جدول أعمال التعليم حتى عام 2030، وكذلك لتحديد المجالات التي تشهد تقدّمًا وتلك التي تتطلّب المزيد من الجهود لتحقيق النتائج المرجوة.

يُعدّ جمع جميع عمليات تقييم التعلّم تحت إطار واحد أمرًا ضروريًا، وهذا الأمر مرتبطٌ بالهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، ولا سيّما الغاية 4-2 منه التي تنص على "ضمان أن تتاح لجميع الفتيات والفتيان فرص الحصول على نوعية جيدة من النماء والرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة والتعليم قبل الابتدائي حتى يكونوا جاهزين للتعليم الابتدائي، بحلول 2030"، ويؤدّي إلى نتائج تعلم فعّالة. لذلك، من المتوقّع أن تتيح عمليات تقييم التعلّم معلوماتٍ أساسيّة حول نتائج التعلّم المحققة، بما في ذلك تعلّم المهارات الأساسيّة مثل الحساب والقراءة والكتابة والمهارات المتعلّقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهي مهارات ينص عليها الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة.

ويتم العمل على توجيه عمليات تقييم التعلم لتحديد مدى قدرة المتعلمين على التكيّف مع متطلبات الحياة، ومدى استعدادهم للعمل في القرن الحادي والعشرين. وإنّ الكفاءات والمهارات المذكورة آنفًا مستعرضة في مواضيع مختلفة، منها تعليم المواطنة العالميّة والتعليم من أجل التنمية المستدامة اللذين تروّج لهما أهداف التنمية المستدامة بقوة.

يتم جمع البيانات حول كلّ هذه المسائل من خلال مؤشرات الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة ومعاييره المرجعية، ما يشكل جزءًا رئيسي من عمليات تقييم التعلّم. ومن أجل قياس المتعلّم من منظور شامل، ينبغي أن يتّخذ التقييم نهجًا شاملًا وأن يستهدف جميع جوانب التعلّم بما في ذلك المهارات المعرفية واللغوية وتطورها، والمهارات الاجتماعيّة والعاطفيّة، والمهارات العمليّة، ومهارات حلّ المشاكل، والمهارات الحركيّة. يجب أن يأخذ إطار التقييم الفعّال كلَّ ما سبق في الاعتبار وأن يركّز على قدرات المتعلّم من كافة الجوانب بدلًا من الاعتماد على مجالٍ واحدٍ فقط. وقد ازدادت الدعوات إلى في السنوات الأخيرة إلى عمليات التقييم الواسعة النطاق وعمليات التقييم على مستوى المدرسة.

4. كيف تقيّمين جودة التقييم ومعايير نجاح المتعلّمين في التعليم عمومًا وفي التعليم العالي تحديدًا؟

عمومًا، ينبغي أن يكون التقييم موثوقًا وصالحًا، ما يعني أنّه يجب أن يتيح نتائج متّسقة ومستقرّة ودقيقة ومناسبة للغرض الذي يخدمه. فعلى سبيل المثال، إذا كان هدف التقييم هو قياس معارف المتعلّمين ومهاراتهم الأساسيّة المتعلقة بالمهارات التأسيسية (القرائية والحساب)، ينبغي أن يركّز التقييم على تلك المهارات، ما يساعد على تفسير أو استنتاج نقاط القوّة والضعف لدى المتعلّم بدقة. ولا يقتصر التقييم على وضع علامة، بل أيضًا ينطوي على قياس التقدّم الذي يحرزه المتعلم في التعلم وعلى تحديد احتياجاته لتزويده بالدعم المناسب.

في العامين الماضيين، برزت أهميّة التقييم العادل اذ إنّ ضمان التقييم العادل والمنصف ومن دون تحيّز أمرٌ ضروريٌّ لمنح جميع المتعلّمين فرصة متساوية للتعلّم. وينبغي أن يتمكن المعلّمون من تحديد نوع التقييم المناسب لكل حالة وأن يطبّقوه بعدل ومن دون تحيّز للتوصّل إلى استنتاجات صحيحة وموثوقة. وينبغي أيضًا أن تكون عمليات التقييم عمليّة وفعّالة، وقد يستغرق بعضها وقتًا طويلاً لإدارتها في فصلٍ دراسيٍّ يحتوي على عددٍ كبيرٍ من المتعلّمين. في ظروف نقص الموارد وندرتها، يتمّ التركيز أكثر على التطبيق العمليّ وعلى الكفاءة.

يمكن تقييم جودة التقييمات في التعليم العالي من خلال النّظر في عوامل مثل مواءمة التقييم مع أهداف المقرّر (والتي تنطبق أيضًا على التقييم في التعليم الأساسي)، وضوح تعليمات التقييم ونماذجه، صحة وموثوقيّة التقييم وفعاليّة التغذية الراجعة، كما ينبغي النظر في تصميم التقييم واستخدام التكنولوجيا لتعزيزه.

5. ما هي الاستراتيجيّات التي تستخدمينها لقياس إنجاز المتعلّمين ومدى تحقيقهم للأهداف وتقديم التغذية الراجعة لهم؟

تتنوع الأدوات والطرق المتاحة لقياس إنجازات المتعلّمين، ومنها، على سبيل المثال، الاستبيانات، والأعمال التّطبيقيّة، والواجبات المنزلية، والاختبارات، والمشاريع، ودراسات الحالة، وأنشطة المختبر. وتعتمد الأدوات والطرق المستخدمة على الموضوع والمادة وعمر المتعلمين من ضمن جملة أمور. من الضّروريّ تزويد المتعلمين بالملاحظات والتعليقات حول أدائهم.

ليس من الضروري وضع علامات على جميع الأنشطة، ولكن ينبغي تزويد المتعلمين كلًا على حدة بتعليقات شخصية خطية ومفصّلة وذات صلة بأهداف التعلم لمساعدتهم على التحسن والحفاظ على ثقتهم بنفسهم. وينبغي أن تكون التعليقات واضحة ونوعيّة وبنّاءة وقابلة للتنفيذ حتّى يتمكّن المتعلّمون من فهم ما يتوجب عليهم أن يفعلوه للتحسّن. توفّر طرق التقييم الجيدة التصميم بالفعل معلومات قيّمة بشأن المتعلّمين وما يتعلمونه.

6. كيف ساهم عملك كمستشارة في اليونسكو منذ عام 2007 في تحسين أنظمة التعليم؟

في إطار عملي كمستشارة لليونسكو، لاحظت زيادة في الوعي والاندفاع أدت إلى تحسن في أنظمة التعليم. ومع ذلك، يختلف الوضع من دولة إلى أخرى حسب الموارد المتاحة والسياسات المعمول بها إلى جانب عوامل متنوّعة أخرى.
يمكنني القول إنّ التقدم قد يكون بطيئًا، إلّا أنه ملموس في هذا المجال. استجابةً لما فرضته جائحة كوفيد-19 على سبيل المثال، انتقلت العديد من المؤسّسات التعليميّة إلى التعليم والتعلّم عبر الإنترنت، وتبنت طرائق تعليم وتقييم جديدة.

التعليم مجالٌ سريع التطوّر، وكل يوم يجلب معه فرص جديدة لاكتساب المعرفة والتعلّم من بعضنا بعضًا. ومع تطوّر التكنولوجيا وطرق التقييم والذكاء الاصطناعيّ المستمر، يستحيل التنبّؤ بالتطوّرات الجديدة في المستقبل.

أحدث المنشورات

القائمة الكاملة
اليونسكو

المستقبل على المحك: لماذا الاستثمار في التعليم أمر بالغ الأهمية؟

يسلط هذا التقرير، الذي أعدّته اللجنة التوجيهية الرفيعة المستوى المعنية بالهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة (SDG4) بالتعاون مع الشراكة العالمية من أجل التعليم (GPE) ونُشر في عام 2024، الضوء على الحاجة المُلِحّة لتعزيز الاستثمار في التعليم كوسيلة أساسية لمواجهة التحديات العالمية، بما في ذلك تغيّر المناخ، والتطورات التكنولوجية، والتحوّلات الديموغرافية.
اليونسكو

المدن العربية تتألق في جوائز مدن التعلم لليونسكو لعام 2024

تُحرز المدن العربية تقدمًا كبيرًا في مجال التنمية المستدامة والتعلم مدى الحياة، مع تركيز متزايد على إنشاء بيئات تعليمية شاملة تُسهم في تحقيق الأهداف التنموية المحلية والعالمية. وقد احتفلت جوائز مدن التعلم لعام 2024، التي تُمنح من قِبَل اليونسكو، بهذه الجهود، مبرزةً المدن العربية التي تميزت في بناء مجتمعات تعليمية.
اليونسكو

مؤتمر اليونسكو العالمي الثالث للموارد التعليمية المفتوحة: تعزيز الوصول الشامل إلى المعرفة

انطلق مؤتمر اليونسكو العالمي الثالث للموارد التعليمية المفتوحة (OER) في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، في مركز دبي التجاري العالمي في دولة الإمارات العربية المتحدة، ليكون المرة الأولى التي يُستضاف فيها هذا الحدث في العالم العربي. نظّم مؤتمر اليونسكو بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة (MBRF)واستقطب أكثر من 500 مشارك ومشاركة من نخبة القادة العالميين، وصنّاع السياسات، وممثلي المؤسسات التعليمية، بما في ذلك وزراء، وأكاديميون، وخبراء من القطاع الخاص. وتركّزت المناقشات على مدار يومين حول تعزيز الاستفادة من الموارد التعليمية المفتوحة والتقنيات الناشئة، بهدف تحقيق وصول عادل وشامل إلى التعليم، وتقليص الفجوة الرقمية على الصعيد العالمي.
اليونسكو

الأمم المتحدة تحتفي في شهر ديسمبر/كانون الأول بحقوق الإنسان، والأشخاص ذوي الإعاقة، واللغة العربية

تُحيي الأمم المتحدة في شهر ديسمبر/كانون الأول ثلاث مناسبات بارزة تُعنى بحقوق الإنسان، وبحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وباللغة العربيّة، ممّا يجعل هذا الشهر فرصةً عالميّةً للتفكير والعمل. وتقود اليونسكو الجهود لتعزيز التعليم الشامل، وحماية حقوق الإنسان، والاحتفاء بالإرث الثقافيّ واللغويّ للّغة العربيّة، من خلال سلسلة من الفعاليات والمبادرات.